الملخص :

تلقى دراسة موضوع الإجهاض اهتماماً بالغاً من قبل الباحثين والمهتمين في العديد من المجالات والتخصصات كالقانون والطب والدين والاجتماع، واختلفت الآراء حوله وفقاً للزاوية التي ينظر منها إليه، إلا أن الغالبية تتفق على خطورة الإجهاض والآثار السلبية التي تترتب عليه خصوصاً وإنه يمس عدة مصالح، يأتي في مقدمتها حق الجنين في الحياة، يليه حق المرأة في الحياة وسلامة الجسم والإنجاب وأخيراً حق المجتمع في التكاثر والنمو الطبيعي، إلا أنه وبالرغم من كل ذلك انتشر الإجهاض وبدأت معدلاته بالازدياد حتى أصبح ظاهرة خطرة تهدد المجتمعات.

وتباينت وجهات النظر في الفقه القانوني بشأن الإجهاض بين مؤيد ومعارض، وذهب جانب إلى منح المرأة الحامل الحق في الإجهاض تأسيساً على احترام حقها في الخصوصية وكفالة حريتها الشخصية وحقها في تحديد مصير حملها فهي الأقدر على تقرير الاستمرار فيه من عدمه، إضافة إلى أن تنظيم الإجهاض من شأنه أن يحل بعض المشاكل كظاهرة التزايد السكاني التي باتت خطراً يهدد المجتمعات، ومشكلة الإجهاض السري المحفوف بالمخاطر الذي تلجأ له المرأة في الخفاء للتخلص من حملها، وعادةً ما يتسبب بوفاتها أو تعرضها لأمراض أو إصابات خطيرة، في المقابل هناك من يعارض إباحة الإجهاض معتبراً الجنين كائن مستقل بذاته وليس جزء من جسد المرأة تملك التصرف فيه كما تشاء، ويُعد حقه في الحياة أسمى من حقها في الخصوصية والحرية الشخصية، وإن التخلص منه لن يحل المشكلات سالفة الذكر.

واختلف موقف التشريعات الوضعية من الإجهاض بحسب السياسة الجنائية التي ينتهجها كل مشرع، أخذاً بعين الاعتبار الجوانب الدينية والأخلاقية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدولة إضافة للآراء الفقهية التي قيلت حول الإجهاض، وبناءً على ذلك ذهبت تشريعات الإباحته مع تجريم بعض الحالات التي يتم فيها الإجهاض خلافاً لإرادة المرأة الحامل، وتمسكت تشريعات أخرى بموقفها منه باعتباره جريمة يعاقب عليها القانون ولم تبحه، وذهبت بعض التشريعات للتخفيف من الغلو في العقاب عليه بعدما كانت تفرض على مرتكبه عقوبات مشددة، فاتجهت نحو الإباحة التدريجية واعتبرته جريمة من حيث الأصل وأباحته في حالات استثنائية وذلك عندما تتعرض حياة المرأة أو صحتها للخطر نتيجة استمرار الحمل وفق شروط وضوبط يحددها القانون.

ونأمل من خلال هذه الدراسة الوصول إلى صيغة قانونية تكفل حماية حق الجنين في الحياة، وتقيم نوع من التوازن بينه وبين الحقوق الأخرى المحمية بموجب القانون، لضمان تطبيق واحترام النصوص القانونية.