الملخص :

تعتبر الجريمة من أشد الظواهر الاجتماعية التي تؤثر سلبا على المجتمع، والتي كان لابد من التصدى لها عن طريق إيقاع العقوبة على مرتكب الجريمة، وذلك كردة فعل طبيعية من قبل المجتمع على الفعل المجرم، والمجتمعات البشرية لا تزال تبذل جهدًا في إعادة النظر بالعقوبة وكيفية تنفيذها، وذلك للوصول إلى عقوبة تحقق الغاية من إيقاعها، وقد ظهرت هذه العقوبات بأنماط وبأشكال مختلفة في غالبية التشريعات الجنائية، حيث ساهمت في الحد من استخدام العقوبات السالبة للحرية والاعتماد على عقوبات بديلة تحل محلها وتحقق الهدف من العقوبة بشكل يعكس أهداف السياسة الجنائية الحديثة.

وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تناقش إشكالية هامة متعلقة بالتطور التاريخي للعقوبة، وخصوصا العقوبات السالبة للحرية والتغيرات التي طرأت عليها ونقلتها نقلة نوعية، ومدى تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على مرتكب الجريمة وطرق إصلاحه وإدماجه في المجتمع مرة أخرى، ودور العقوبات البديلة كأحد الأدوات المستخدمة في السياسة الجنائية المحاربة الجريمة، ومدى قدرتها على تحقيق أغراض العقوبة، وتلافي سلبيات العقوبات السالبة للحرية، بما يحقق التوازن بين حق المجتمع في إنزال العقوبة على مرتكب الفعل المجرم، وبين حق الجاني في إصلاحه وتأهيله بما يضمن عدم ارتكابه أي جريمة في المستقبل.

وتتمثل إشكالية هذه الدراسة في مدى قدرة العقوبات البديلة على الحد من سلبيات العقوبات السالبة للحرية وتحقيق أغراض العقوبة، خصوصا في ظل ارتفاع معدلات ارتكاب الجريمة والتوسع في تشريع القوانيين العقابية السالبة للحرية، مما ساهمت معه هذه النوعية من العقوبات بازدحام السجون وارتفاع معدلات العود، فضلا عن أن أثرها لا يكون فقط على المحكوم عليه، وإنما يمتد إلى عائلته بشكل مباشر، وبعضها يمتد إلى الدولة، مما يثقل كاهلها ويرهق ميزانيتها، ويؤدي إلى عدم قدرة المؤسسات العقابية على القيام بدورها في إصلاح المحكوم عليه وتأهيله كما يجب.

وترتكز هذه الدراسة على أكثر من منهج، فهي تعتمد أساسا على المنهج المقارن بين التشريعات المختلفة محل الدراسة، والتي تتمثل بالتشريع البحريني والإماراتي والمصري والأردني، وكذلك تتعامل مع المنهج النقدي التحليلي من أجل تحليل النصوص القانونية والوقوف على صياغتها ومدى مواءمتها وكفايتها للوسائل البديلة المستحدثة في مجال العقوبات البديل.