ملخص الدراسة:

على الرغم مما أحدثته تقنية الحوسبة السحابية والوسائل المستخدمة فيها من ثورة حقيقية لا تقل أهمية عن الثورة الزراعية أو الثورة الصناعية، وما فتحته من آفاق ضخمة أمام تقدم البشرية وتطورها، إلا أنها في الوقت نفسه، أثارت بعض التحديات للقواعد القانونية التي استقر التعامل بها سنين عديدة، فالقواعد التقليدية التي كانت تحكم معاملاتنا على مر السنوات السابقة، يعصف بها اليوم انفجار علمي يمشي على وتيرة متسارعة ومذهلة، وثورة تقنية قلبت الأوضاع وأعادت ترتيب العلاقات وتنظيم القوى وتوزيع الثروات، لذا كان لا بد للمشرعين والمهتمين بالقوانين من فهم أبعاد هذه التقنية الجديدة والإحاطة بمميزاتها ومخاطرها وتلمس الحلول الوقائية والعلاجية لهذه الظاهرة استعدادًا لاستخدامها ومواجهة تحدياتها وسلبياتها، سواء أكان ذلك من خلال سن قواعد جديدة تتلاءم مع هذه التطورات أو عبر تطويع المفاهيم والمبادئ والأفكار القائمة، لا سيما إذا ما علمنا أن المطلوب ليس فقط إيجاد القواعد القانونية القادرة على معالجة مشكلات التعاقد، وإنما هو أكثر من ذلك ليشمل أيضًا خلق بيئة ملائمة تحقق الأمن القانوني للمتعاملين في هذا الفلك غير المادي الذي يلغي الكثير من القيود والمفاهيم والمبادئ الراسخة، ويقدم أشياء جديدة لم يكن من الممكن تصورها.
ولعل تلك الإرهاصات كانت الدافع وراء إجراء هذه الدراسة التي حاولنا من خلالها جمع شتات وأبعاد الموضوع، للتنسيق بينها وتحديد ملامحها عبر إطار قانوني متكامل ورؤية موجزة وشاملة، وذلك من خلال الاستعانة بالقواعد العامة ذات الصلة في التشريعات، وإعمال بواكير الحلول القضائية على مستجدات المسألة وتطوراتها المتلاحقة.
ولبلوغ هذا البحث أهدافه، ارتأينا أن نستهل دراستنا لهذا الموضوع بمبحث تمهيدي نتعرف من خلاله على تقنية الحوسبة السحابية من الناحية الفنية، وأهم مميزاتها وسلبياتها وأنواع الخدمات التي تقدمها هذه التكنولوجيا الحديثة. فإذا ما انتهينا من هذه المقدمات اللازمة، انتقلنا إلى دراسة محور البحث وهو التنظيم القانوني لعقد الحوسبة السحابية من خلال فصلين، نعالج في الفصل الأول تكوينه وكيفية انعقاده انعقادًا صحيحًا ومستوفيا لأركانه وشروطه ثم نستقصي في الفصل الثاني عن التوصيف القانوني السليم لعقدنا محل الدراسة والآثار المترتبة عليه.