مُلَخَّصُ البَحْثِ:

تناولَ البحث حروف الجرّ في كتابِ الموطأ من جانبٍ نحويّ ودلاليَ، مُهَد له بتعريف موجزٍ للإمامِ مالكِ وكتابه الموطأ، مع الإشارة لحجية الاستشهاد بالحديث النبوي لمسائل النحو واللغة، ثم شرع الباحث في فصلي الدراسة، الأول منها دراسة حروف الجرّ من جانبٍ نحوي، تضمن ثلاثة مباحث: مبحثٌ في المراد بحروفٍ الجزّ، فقد نصَّ الأئمةُ أنَّ الحرف ما دلَّ على معنى في غيره ليس باسم ولا فعل، وحروفُ الجرّ أو يقال حروفُ الإضافة أو الصفات واحدٌ وعشرون حرفاً على المُختار، منها الأحادي الوضع والثُّنائي والثُّلاثي والرَّباعي، تَربطُ بين الحدثِ ومجرورها؛ فتنتج عن ذلك الارتباط معان ودلالات للجمل والعبارات العربية. غرَّفت الدراسةُ بتلك الحروفِ حرفاً حرفاً، وبيَنت أوصافها من حيثُ الزيادة وعدمها، وميُّزت ذات التعلَّقِ عن غيرها، كما ناقشت الخلاف في نيابةِ بعضها، مُرجَحةً جواز التناوب بينها ما لم تكن تلك النيابةَ قادحةً بفصاحةٍ الكلام أو معناه أو أنَّ فيها توسعاً وتكلُّفا، وطْبَق ذلك كله على أحاديث نبويةٍ منتخيةٍ من كتاب الموطأ، فتقررت معها أهميةً الحديثِ النبوي في حفظِ الشاهدِ النحوي وقوة العلاقةِ بينهما. أما القسم الثاني فكان من نصيب الجانب الدلالي، إذ لم تقف تلك الحروف عند حد اللفظ فحسب، بل لها دلالات، ولتلك الدلالات آثارٌ وخيايا وأسرار، والدلالةُ علمّ يدرس المعنى، وهي أنواعَ اقتصرت هذه الدراسة على ما أداة الحرف من معنى في السياق التركيبي للحديث وما تبغ ذلك المعنى من أثر. أُجمِلت في المبحثِ الأول أشهرُ معاني حروفِ الجرّ التي يذكرُها علماءُ النحو واللغة، صُدّر المبحثُ بذكر أهمّ ما ألف في حروف المعاني مع مقارنة موجَزة بين تلك المؤلفات، إذ يُعدّ كتاب (الجنى الداني) لبدر الدين المرادي، وكتاب (مغني اللبيب) لابن هشام الأنصاري، من أفضلها وأحسنها، ثمّ أتبع بمبحث آخر لدلالات حروف الجز من أحاديث الموطأ، وليس في الموطأ سوى عشرةٍ حروف للجرّ، وهي (الياءُ، الكاف، اللام، واو القسم، عن، في، من، وإلى، وعلى، وحتى).
وقد فاقت مواضع معاتيها الألف موضعٍ في قُرابة ستّمائة حديث نبوي، ولتداخل المعاني وتكرارها اكتفت الدراسةُ بنحو من خمسمائة موضع من شواهد حديثية مختلفة، كما تلا هذا المبحث مبحثٌ ثالث في أثر معاني تلك الحروف في فَهم النص النبوي وتولَّدِ الخلافِ في المسائل الشرعية عقيدة وعبادة ومعاملة، وقد أثبت الباحث أربعين مسألةً لذلك. ثم خُتمت الدراسةُ بأهمّ النتائج والتوصيات، واللهُ الموفق والهادي إلى سواء السبيل.